الحمد لله حسبُنا هوَ ونعمَ الوكيل
إن لله وإن إليه راجعون
اليوم حدث موقف كان كالمفتاح الذي فتح ذكرياتي ذكريات كنت قد قفلت عليها لآلامها ومأساتها
علمتني الحياة ان أتعامل مع الحياة على أنها مواقف فأنا موقف من حياتكم وأصدقائكم موقف وأخواتكم موقف وإخوانكم موقف وأعمالك مواقف ووالداك موقف والأهل موقف و….
كل يوم تكون مع أحد هذه المواقف بأحتدام لكن ….؟
أتذكر ماحدث منذ 3 سنوات وكأنه اليوم (سنة 2005 ) أجل كأنها اليوم أول رسوب في حياتي أول عثرة عندها لم أعلم أنني رسمت للطفولة سطرها الأخير لم أكن أعلم أن حياتي بدأت…
كان صراعي الأول مع نفسي بين تحمل مسؤولية قراري وبين مواجهة المجتمع المتطلب رسوب تلاه رسوب ظننت أن هذه أكبر إبتلاءات ستحدث معي شعرت أنه احتدام بين الصبر والرضا وبين الدراسة والنجاح لكنني عندها عمقت علاقتي بجدتي الغالية نهلت من ينبوع حكمتها تعلمت الشغل على سنارة واحدة وعلى سنارتين علمتني لعبة البرجيس علمتني أن الكلمة الطيبة كشجرة طيبة كانت صندوق أسراري بأفراحي وأحزاني كانت ترى دمعتي قبل أن تتشكل وتفرح ببسمتي قبل أن تُرسم على وجنتي جدتي كم أشتقت لحضنك الدافي وكلامك الشافي لكن ليقضي الله أمراً كان مفعولا لبت نداء مولاها أسكنها الله فسيح جناته للآن اذكر معاناتي تمنيت الحاق بها كرهت الدنيا وليزيد من أبتلائي كان وفاتها قبل فحص البكالوريا بشهر واحد اضربت عن الدراسة حيناً وهربت إليها حيناً آخر شعرت أنني قد مِتُ معها شعرت لأول مرة بغربتي في هذه الدنيا غربة وجدان غربة مشاعر حتى بات قلبي صافٍ من كل مافي الدنيا من ملذات ومساوء وكان هذا رسوبي الثالث في الدراسة وكنت ما أزال ألملم شعث حياتي حتى توالت الأفراح في أسرتي خُطبت أبنت خالتي ثم خـَطب ابنا خالتي ثم ابنت خالتي وقد كانت هذه الفترة من أكثر لحظات الراحة التي مرت علي خلال هذه السنوات الأربع لكن لم ينتهي شهر الفرح بهم حتى توالت الوفيت في عائلتي لدرجة بات الموت الخبر الوحيد الذي نسمعه أهلي باتوا ذات نفسية صعبة وسادت الكآبة أسرتي حاولت البحث عن معين هنا وهناك لكن ما زدت سوى هماً على هم حتى أكرمني الله بصناع الحياة وأرسل لي من يعينني علموني أن ألجأ لرب البشر علموني الإيجابية علموني الأمل والطموح أن أكبر بهم وأحيا معهم وكانت هذه المرحلة نقطة تحول كبيرة في حياتي زهدت بالدنيا ومافيها وتعلقت بالله وبجنته حتى بت أشعر كما قال الأستاذ عمروا خالد كأنني ساكنة فيها ثم تعلقت بقدوة أحببتها حباً شديداً نهلت وضعتها موضع جدتي نهلت منها بكل ما استطعت من قوة مازحتها تارة واستفززتها أخرى أبكيتها حيناً وأضحكتها آخر تعلق بها قلبي دون أن أعي أني تمسكت بالخلق وتركت الخالق (سبحانك يارب ما ذاك إلا لجهلي وضعفي وتقصيري فأعفو عني ياعفوا) حتى بِتُ لا أفكر سوى بها ولا أقتنع إلا بما تقوله ولكن ليطهر الله قلبي من الدنيا أبعدها عني بظروف أقوى من أن أبقى معها حتى بات بقائي معها محرماً (إن جاز التعبير) وفي نفس الوقت توفى خالي وكان أمتحاني في الكلية فعدت كما بدأت مشتتة غير متوازنة غريبة حتى ضاقت بي الدنيا بما رحت لكنني كنت قد تعلمت أنه لا منجى ولا ملجأ من هذه الأمور إلا لله ثم أن ثقتي بالله باتت أكبر وأعمق بفضله فأني أشهد جميع خلقه أنني رضيت به ربا وبالإسلام دينا وبسيدنا محمد نبياً ورسولا
حاولت لملمت تبعثري وتجميع أفكاري إلا أن قرأت سورة الأنفال الحمد لله فيها من الكلمات المطمأنة لي الكثير
الحمد لله شعرت بالسكينة والطمأنينة حتى شعرت أني قد نمت ليلتها بعمق لم أنامه منذ زمااااااااااااان ايقظتني اختي على كلمات تترنم بالأستاذ عمروخالد قد بدأ قصص القرآن ياه قد غرقت بالنوم نهضت باسم الله وبدأت أتابع حلقته كانت تتمة لحلقة الخضر وموسى كان يتكلم عن الرضى والقضاء والقدر وكيف أن الصمت صعب لكنه يعلم الصبر وهذا ما ملكته بفضل الله بعد كل هذه السنوات وفيما كنت اتابع البرنامج لمحت قطتي الغالية التي كانت فرحتي وبسمتي بها كانت إذا سَمِعتنا نتجادل بالبيت ركضت مسرعة لتُلهينا بحركاتها المتمايلة وترنيماتها وإن لم نًرد عليها كانت تمد يدها وتشد ثيابنا بأظافرها وتغمض أعينها ثم تلاعبنا لمحتها تمشي بطريقة لم أعهدها من قبل تمشي بتثاقل شديد ثم وقعت عاودت وقوفها ثم وقعت ثم زحفت ورفعت نفسها بتثاقل وشربت من الماء بداية لم أعي مابها بررت تصرفها أنها تريد لفت أنتباهي لأداعبها وألاعبها وتابعت البرنامج ونسيتها فقد كان الأستاذ عمرو خالد يتكلم عن القضاء والقدر على أنه عسى أن تكرهوا شيء وهو خيرٌ لنا وعسى أن نُحب شيء وفيه شرٌ لنا سبحان الخالق الحكيم الرحيم دعا دُعاء الختام وكرر كلمة اللهم رضني عنك وأرضى عني بأسلوبه وبعدها انتهى الرنامج فقمت لأتفقد قطتي لكنني فوجئت بأنها لا تتحرك (اقتربت منها ورفعت رأسها عيناها لا ترفان امعنت النظر على تنفسها الحمد لله إنها تتنفس لكنها قد أتسخت بأفرازات ذات لون أصفر وبختها لماذا وسختِ نَفسكِ لكنها لم تبدي أي تحرك وباتت تفرز لُعاباً ماذا بك ياغاليتي ذهبت راكضة إلى أمي لأصف لها الوضع لكن صوتها اختنق وأغرورقت الدموع في عيناها ثم همست إنها تموت لكن سبحان الله كأنني أسمع هذه الكلمة للمرة الأولى ذهبت لأختي كي تجلب لها دكتورها كي يداويها ثم توضأت وقرأت لها سورة ياسين على نية الشفاء ومسدت لها بطنها لكنها لم تبدي أي حراك سوى عندما انهيت السورة حركت أقدامها وكأنها تمشي أوكأنها تبعد عنها شيء وكانت عيناها تنظر إلي وكأنها تستجدي عطفي حتى أن عيناها لا ترفان حملت رأسها ودعوت لها لكن سكرات الموت قد بدت عليها انسحب اللون الأحمر من أُذناها وجحظت عيناها بطريقة مخيفة فأيقنت أنها تنازع جلبت القرآن وقرأت لها سورة الرعد والبكاء يملئ كياني حتى انهمرت دمعة على يدي فأنتثرت على عينها فأغمضتها ناديت لأختي لقد تحسنت وكأن الأمل في النفس البشرية أقوى من التشائم في مثل هذه المواقف أنهيت السورة فدفعت رأسها على يدي بقوة ونظرتي إلى ورائي وكأنها تبسمت فأستبشرت بتحسنها وفرحت بقوة ثم ذهبت وناديت أختي كي تجلس معها قليلاً ريثما أصلي الظهر وبالفعل جلست ونحن ننتظر الطبيب كي يعالجها ثم سلمت عن اليمين وإلتفت إلى اليسار فنادتني أختي
روااااان لقد ماتت لولو
فقمت مسرعة لكنني لم أستطع أن أقدم على رؤيتها ذهبت لغرفتي آملة بأن أستجمع قواي لرؤيتها وبالفعل قد أفرغ الله علي صبراً وذهبت لأراها لكن مازال الأمل عندي بأنها على قيد الحياة وأختي مخطأة وعندما دنوت منها لأراها وجدتها قد عضت على لسانها بقوة وعيناها جاحظتان دون حراك وبطنها لا يتحرك دالاً على أنها لا تتنفس لكن مهلاً حنجرتها مازالت تتحرك مازالت على قيد الحياة لم تمت لكن ماكان ذلك إلا حركات لا أرادية بعد أن خرجت الروح منها وما كانت دقائق حتى رُن جرس الباب
أجل الطبيب قد جاء فتحت له الباب لكنني لم أقوى على الكلام حتى لرد السلام فبادرت اختي بقول لقد ماتت ساد هدوء ثم دخل الدكتور فأعطى لقاح لقطي الآخر ثم انصرف (يا ابن آدم تريد وأريد فتتعب فيما تريد ولا يكون إلا ما أريد)
أجل أتى الطبيب لكن ماذا يستطيع أن يفعل
لاشيء
حملتها واختي وذهبن بها إلى حقلٍ قريب من منزلنا دفناها وعدنا ونحن نقول
اللهم إرحمنا إذا صرنا إلى ماصاروا إليه
ليقضي الله أمراً كان مفعولاً
حسبنا الله ونعم الوكيل
اتمنى أن اصف لكم الآن مشاعري لكن باختصار اشعر بأنني لا أصدق أن هذا حدث منذ دقائق كانت بيننا والآن تحت التراب
كُنا حولها قَرأنا لها ودعونا لها بالرحمة هل سنجد من يفعل لنا هذا عند وفاتنا
حاولت معرفة كيف نُزعت روحها فاوردت أختي وقالت :
" وضعت يدي تحت رأسها وبدأت أقرأ لها ماتيسر من القرآن وبعد فترة بدأت تتحرك حركات غريبة وكأنها تمشي على شيء ونظرت نظرات وكأنها ترى شيء لا أراه ثم نادت شيء حين نوت تنواية فراق الدنيا ورحلت عن الدنيا"
أي أن سيدنا عزرائيل كان واقف أمامك كيف شعرت ماذا رأيت
"لم أرى شيئاً لكن شعوري …….. "
الله يرحمنا
باختصار هذا الموقف كان أصعب من فقد الحبيب ومؤلم أكثر من كل الوفيات السابقين ومن الصعاب ولأنه مازال ساخن لا أستطيع معرفة ماهو الألم الحقيقي فيه
أهو فقد كائن لا يتكلم ولا يؤذي
أم هو فقد روح لمخلوق من مخلوقات الله
أم هو ألم الفرآق مهما كان ما نفارق
اليوم هو 18 رمضان 1429 مع كل هذه المواقف والأمور تَعب من الصيام منهك القوى لا تقدر على شرب ما يشبع ظمأك الحمد لله أن ثواب الصيام خبأه لنا الله
ونعم بالله
يا رب أفرغ علي صبراً وثبت أقدامي على دينك ولا تفتني يا قادر
لقد مرت كل هذه الذكريات اليوم في مخيلتي مراً سريعاً كأنها عرض سريع لفيديوا أمامي توقف عند آخر ألم واجهته أجل فقد كان وفات قطتي آخر ألم واجهته
اللهم أسألك خير هذا العام وخير ما بعده وأعوذ بك من شره وشر ما بعده
( الحمدُ لله ثلاثاً, الحمدُ لله التي لم تكن في ديني, الحمدُ لله التي لم تكن أكبر منها, الحمدُ لله إذ أُلهمت الصبر عليها)