قد عيل صبري في سنيه العجاف

( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ ) سورة آل عمران: 15
أي يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك من خلال اتصالك بنا، كنت ليناً لهم، فلما كنت ليناً لهم التفوا حولك، هذه الآية قانون، أنا سميته سابقاً قانون الالتفاف والولاء، متى يواليك الناس؟ إذا اتصلت بالله أولاً فاكتسبت منه الرحمة، بهذه الرحمة جعلتك ليناً، هناك رحمة، وهناك قسوة، هذا اللين جذب الناس إليك، الأب يحتاج هذه الآية، المعلم في الصف، الموظف، أي منصب قيادي في الأرض من آدم إلى يوم القيامة يحتاج لهذه الآية
بالإسلام لا يوجد تفرقة: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ( سورة الحجرات: 13
أيها الأخوة:
﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ﴾ سورة النساء:29, ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ سورة النساء:28, ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ﴾ سورة المائدة:32
كيف؟ أحياناً أب عالم و مربّ يربي أحد أولاده تربية عادية، هذا الابن يتفوق في الحياة، يجري الله على يديه الخير، بعد أجيال ثلاثة هذا الابن صار أمةً، و الدليل: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾ سورة النحل : 120
أحياناً إنسان مصلح يغير مجرى التاريخ، صلاح الدين الأيوبي واجه سبعاً و عشرين دولة أوربية، و غيّر مجرى التاريخ، بعدما كانت سوريا محتلة تسعين عاماً حررها، و دخل بيت المقدس، لذلك الإنسان حينما يتصل بالله يصبح عنده قدرات مذهلة، أي المسلمون الأوائل قلة قليلة لكن خلال ربع قرن فتحوا العالم، لذلك أيها الأخوة الحقيقة الدقيقة القوة لا تصنع حقاً لكن الحق يصنع قوة، أخطر ما في الخطاب القوة وحدها لا تصنع الحق إنما الحق يصنع قوة، أو الحق يحتاج إلى قوة، و القوة من دون حكمة تدمر صاحبها.
ما لم تفهم حقيقة المصائب، و أنها في النهاية لصالح المؤمنين قطعاً لكن الدواء مرّ دائماً، المصيبة مؤلمة لكنها في النهاية لصالح المؤمنين ، و المؤمن الصادق يؤمن بهذه الحقيقة، لذلك قال تعالى:
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾ سورة آل عمران : 26 لم يقل: و الشر، إيتاء الملك خير و نزعه خير، الإعزاز خير والإذلال خير، بيدك الخير في كل الأحوال، إنك على كل شيء قدير.
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ سورة لقمان: 20 قال علماء التفسير: المصائب هي النعم الباطنة.
ما أجمل المصائب حين نفهمها فتتحول المِحنة إلى مَنحة فكل مِحنة هي في الحقيقة مَنحة من الله عز وجل, وقبل كل رمضان أفقد شخص عزيز وأقضي رمضان بين الخوف من أن لا أتبلغ رمضان وبين الرجاء بأن يصبرني وبين أمل بلقائه ورؤية ليلة القدر فأعيش مع ربي لحظات وأحوال كلها رحمة برحمة من الله فمن يرى المصائب علي يتعجب من تقلبي فيها لكن من ذاق الألم عرف طعمه ومن ذاق الفرح عرف طعمه,…
أحبتي، عظمة هذا الدين أنه قدم للإنسان تصوراً، أو فلسفة، أو عقيدة، أسماء لمسمى واحد، قدم له تصوراً عن الكون، والحياة، والإنسان، الحياة الدنيا حياة إعداد لحياة أخرى، المسلم عنده تصور صحيح أن الحياة الدنيا هي حياة إعداد لحياة أخرى، لذلك الدنيا دار تكليف بينما الآخرة دار تشريف، الدنيا دار عمل لكن الآخرة دار جزاء.
أيها الأخوة، لأن الله رحيم ولأنه خلقنا ليرحمنا، والدليل: ﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ سورة هود:119
خلقنا ليرحمنا، خلقنا ليسعدنا، خلقنا ليعطينا، خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض، من مقتضيات رحمته أننا إذا غفلنا في الدنيا، أو قصرنا، أو خالفنا، هناك تدابير تربوية، للتقريب: كيف أن الأب حينما يرى ابنه مقصراً في الدراسة يشدد عليه، يحاسبه أشد المحاسبة، وقد يضربه، فإذا تفوق هذا الابن في مستقبل حياته، وعاش حياة كريمة رغيدة، تذكر فضل أبيه عليه.
أنواع المصائب :
أعظم شيء في حياة المؤمن أنه يفهم على الله حكمته من المصيبة، المصائب لها خمسة أنواع، مصائب الأنبياء مصائب كشف ليس غير، الأنبياء ينطوون على كمال يفوق الشيء المألوف، لذلك مصائبهم مصائب كشف.
ذهب النبي عليه الصلاة والسلام إلى الطائف مشياً على قدميه، ثمانون كيلو متراً، ولما وصل إليها دعاهم إلى الإسلام فكفروا به، و كذبوه، وسخروا منه، وأغروا صبيانهم بضربه، والدماء سالت من قدمه الشريف، جاءه ملك الجبال، و قال له يا محمد:
(( إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))متفق عليه عن عائشة
مصائب الأنبياء مصائب كشف، أي هناك كمال كبير جداً، هذا الكمال يظهر بشكل صارخ بمصيبة، لكن مصائب المؤمنين، مصائب دفعٍ أو رفع: أي سرعته بطيئة، عباداته غير متقنة، عطاؤه قليل، طلبه للعلم غير مقبول، ضعيف، يسوق الله له شدة يدفعه إلى المزيد، إلى أن يطور عبادته، إلى أن يطور طلبه للعلم، إلى أن يزداد ورعاً، مصائب المؤمنين مصائب دفع، سرعة بطيئة يحتاج إلى دفع، أو قبل عملاً صالحاً وبإمكانه أن يفعل عملاً أكبر، مصائب رفع، مركبة الطن بمئة ألف، بإمكانها أن تحمل عشرين طناً، حمّل طناً واحداً، نقول له: لا أنت عندك مركبة عندها إمكانية كبيرة جداً، فلماذا تقبل مبلغاً بسيطاً؟ خذ عشرة أضعافه.
مصائب المؤمنين، مصائب دفع أو رفع، لكن مصائب الكفار أو المشركين مصائب ردع أو قصم، إذا كان فيه خير واحد بالمليار، يسوق الله له مصيبة ردع، فإن لم يرتدع قصمه الله، الأنبياء كشف، المؤمنون دفع أو رفع، الكفار والمشركون ردع أو قصم.
لذلك نحن في دار ابتلاء، نحن في دار التواء لا دار استواء، وفي منزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، لأنه مؤقت، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي.
﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ سورة الزمر:10
ما معنى بغير حساب؟ أحياناً يعطيك إنسان سنداً، هذا السند مضبوط بمبلغ معين، لك عندي مئة ألف، لك عندي مليون، لك عندي مئة مليون، لكن ما قولك أن تأخذ سنداً موقعاً و اكتب أي مبلغ تريد، إن كتبت ألف مليون تأخذهم، هذا معنى قول الله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ سورة الزمر:10
هذه الآية الوحيدة بغير حساب، هذا الذي ساق الله له مصيبة فصبر، النبي عليه الصلاة والسلام عنده صحابي جليل، له ابن جميل الصورة، كان يحبه حباً لا حدود له، من شدة تعلقه بابنه كان يضعه على كتفه وهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، النبي الكريم سأله مرة أتحبه؟ فهذا الصحابي قال له كلمة رائعة، قال له: أحبك الله كما أحبه، بعد أيام افتقد النبي هذا الصحابي، فسأل عنه، فقيل له: لقد مات ابنه، فاستدعاه وعزاه، لكن الذي يلفت النظر أنه قال له: أيهما أحب إليك أن تمتع به عمرك- معك دائماً كظلك، في خدمتك، ولد بار، لم يفارقك، مطواع لك، بار بك- أم أن يسبقك إلى الجنة، فأي أبوابها فتحها لك؟ قال له: بل الثانية، قال له: هي لك.
نعم إن الصبر ليس سهلاُ وأحياناً نحتاج للمصابرة وربما نرتشف رحيق الصبر الأخير في بعض اللحظات والمواقف لكن في النهاية ما يدفعنا لذلك هو الأجر والثواب تخيل عندما تكون في مصيبة أن أجر صبرك يكون لقاء الله وتكون يوم القيامة بلا حساب عن تقصيرك وذنوبك رغم أن الذي لا يتوب عن ذنوبه سريعاً ويكون مع الله في الحال دائماً لا يستطيع ان يصبر عند فجأة المصيبة لأن رصيده فارغ لكن الله كما قلنا أرحم من ذلك .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هو أنواع الصبر ؟
الصبر على ماذا؟ العلماء أجمعوا على أن الصبر ثلاثة أنواع، صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على المصيبة، قد تكون صلاة الفجر في أيام الصيف، الساعة الثالثة، وأنت متأخر حتى نمت، والنهوض من الفراش صعب جداً، لكنك آثرت طاعة الله، فقمت إلى الصلاة، هذا صبر على الطاعة، وأحياناً تمر فتاة بارعة الجمال، وأنت شاب في مقتبل حياتك، ولك أن تنظر إليها ولا أحد على وجه الأرض يحاسبك، لكنك خوفاً من الله غضضت بصرك عن محارم الله، وقلت: إني أخاف الله رب العالمين، هذا صبر عن المعصية، وأحياناً يسوق الله للإنسان مرضاً، فيصبر عليه، صبر على البلاء، فللصبر ثلاثة أنواع، صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على قضاء الله وقدره.
كنت أقول أن أسهل هذه الأنواع هي الصبر على الطاعات وإن من أصعبها هو الصبر على قضاء الله ولكنني وجدت أنه رغم تنوع الصبر إلا أن الصبر واحد من حيث الصعوبة والسهولة وإنما يتفاوت بالحالة الإيمانية المصاحبة له فعندما نتعرض لمرض يهد قوانا عن الحركة نحتاج لصبر على المرض ولصبر على قلة الطاعات ولصبر على أن لا نعصيه في هذا الضعف والله إنه اختبار ليس بهين ولكن من قال أن الجنة هينة بل مهرها النفوس وعندما تموت نفوسنا عندها فقط نعرف اللذة الحقيقة لهذا الصبر لذة أن نكون عبيد أحرار من النفس والمجتمع ” عبيد” لله وفقط لله .
الصبر عند الصدمة الأولى :
مرّ النبي عليه الصلاة والسلام على امرأة تبكي عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري، هي لا تعرفه، قالت له إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، لكنها بعد أن عرفت أنه النبي عليه الصلاة والسلام، قال لها: إنما الصبر عند الصدمة الأولى.
أحياناً تأني مصيبة يضجر وقد يشتم وقد وقد وقد، لكن بعد ذلك يصبر، ليس هذا هو الصبر، إنما الصبر عند الصدمة الأولى، الصبر عند تلقي الخبر أول مرة، الحمد لله، لذلك من أروع ما قاله سيدنا عمر، كان إذا أصابته مصيبة، قال: الحمد لله ثلاث مرات، الحمد لله إذ لم تكن في ديني، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها، والحمد لله إذ ألهمت الصبر عليها. أي حادث سيارة، أضرار بشرية لا يوجد، هذا يصلح، هناك ضرر بشري لكن خفيف، كسر يجبر، لذلك كان إذا أصابته مصيبة، قال: الحمد لله ثلاث مرات، الحمد لله إذ لم تكن في ديني، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها، والحمد لله إذ ألهمت الصبر عليها.
إذاً الصبر بكلام النبي عليه الصلاة والسلام عند الصدمة الأولى، البطولة هنا، لذلك قال الإمام علي رضي الله عنه: الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين، أي أن ترضى بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين.
(( عَجَبا لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له ))
أول مرة أعرف أن الصبر بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين ؟؟؟ جميل أن يعرف الإنسان أين هوَّ ولكن الأجمل أن يستمر على ما هو عليه ويحاول أن يصل للأفضل عندما يعلم أحدهم بخبر وفاة شخص عزيز عليه يكون من الصعوبة بمكان أن يصبروا ولكن الله يرسل مع المصيبة صبراً فعندما تواجه مصيبة وتكون غير قادر على الصبر فلتعلم أن سبب ذلك هو أن هذه المصيبة من نتاج ذنوبك وليست من الله.
على الإنسان التحلي بالحكمة في إبلاغ الأخبار السيئة :
حديث آخر:
((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّةُ)) البخاري عن أبي هريرة
شخص يحبه كثيراً، قد يكون ابنه، زوجته أحياناً، صديقه، أخوه، إنسان تحبه حباً جماً، وأكثر شيء هذا واضح في الأبناء، لذلك هذا الصحابي الذي جاء إلى البيت وابنه مريض، وسأل زوجته عن ابنها المريض، قالت له: هو في أهنأ حال وقد مات، لم ترد أن تبلغه، يبدو أنه كان في الجهاد، وهي كنّت عن موته أنه في أهدأ حال، في الصباح أبلغته، فذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقصّ عليه ما فعلت زوجته، فالنبي أثنى عليها كثيراً، أحياناً إبلاغ الخبر من دون حكمة، من دون دقة، قد يصيب الإنسان بصدمة كبيرة جداً، سمعت عن مريض أصيب بمرض خبيث، الطبيب دارس ببلد يبلغون المريض المرض من دون أي مواربة، قال له: معك سرطان تعيش أربعة أشهر بالتمام والكمال، فمات في اليوم الثاني، لم يتحمل.
النبي عليه الصلاة والسلام قال :
((إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فَنَفِّسُوا لَهُ فِي الْأَجَلِ )) ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري
(( عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي قَالَ إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ فَقَالَتْ أَصْبِرُ فَقَالَتْ إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا )) البخاري عن عطاء بن أبي رباح
أحياناً يصيبنا إبتلاء فندعوا الله دعاءاً يكون شراً لنا {وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً }الإسراء11
(( مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ)) البخاري عن أبي سعيد الخدري
أبشروا بلقاء الله أبشروا بالموت يا حبيبي يا الله :
(( وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه، إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبة في ماله أو ولده، حتى أبلغ منه مثل الذر، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه)) ورد في الأثر
إذا تفضل الله علينا وعالجنا في الدنيا، وانتهى بنا الأمر إلى أننا إذا وصلنا إلى شفير القبر ليس علينا شيء، هذا أكبر كسب للمؤمن، أن تنتهي به الدنيا وقد غفر الله كل ذنوبه: طاهر من الذنوب، وهناك حديث آخر يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ)) البخاري عن أبي هريرة
أحياناً يكون الإبتلاء بالخير مثلاً تُرزق محبة إنسان تراه خيراً لكن عندما تجده حجاباً لك عن الله ….!!! هل ستصبر وتشكر الله على نعمه أم ستعترض وتمتعض ؟؟؟
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }الأنبياء35
ولربما يسوق الله للإنسان مصيبة، للتقريب، لكي يقرب هذا الإنسان منه. والصبر عادة الأنبياء والمتقين وحلية أولياء الله المخلصين وهو من أهم ما نحتاج إليه في هذا العصر، الذي كثرت فيه المصائب وتعددت، وقل معها صبر الناس عليها.
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ*أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ سورة البقرة: 155-157
الصبر ضياء، بالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور، الصبر ليس جبناً، ولا يأساً، ولا ذلاً، بل الصبر حبس النفس عن الوقوع في سخط الله عز وجل، وتحمل الأمور بحزم وتدبر، والصابرون يوفون أجورهم بغير حساب: ﴿ أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ﴾ سورة الفرقان: 75
من يرضى بقضاء الله و قدره سيخلفه الله خيراً من كل الذي أصابه , وعن أهل الجنة قال تعالى:
((ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، اللهمّ أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها، إلا آجره الله في مصيبة وأخلفه خيراً منها ))
هذا الحديث عن من؟ عن أم سلمة زوج النبي عليه الصلاة والسلام:
(( قالت: ولما توفي أبو سلمة؛ قلت: ومن خير من أبي سلمة صاحب رسول الله)) مسلم عن أم سلمة
كان زوجها رجلاً عظيماً، فلما توفي دعت بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام، لكنها تساءلت ومن سيأتيني بعده؟ أبو سلمة رجل لا كالرجال، من أصحاب النبي الأوائل، قالت: فتزوجت رسول الله.
وليعلم المؤمن الصادق أنه كما قال الله عز وجل :
﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ*لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ سورة الحديد : 22-23
المؤمن صابر شاكر :
(( فلاَ تَقُلْ : لَوْ أَني فَعَلْتُ كَذَا كانَ كَذَا وَكَذَا، وَ لَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَما شاء فَعَلَ فإنَّ “لَوْ” تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ )) مسلم عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه
وطن نفسك واعلم يقيناً أن كل مصيبة تأتي إنما هي بإذن الله، وقضائه وقدره، فإن الأمر له وحده، لذلك استعن على الصبر باعتقادك أن هذا الشيء ساقه الله إليك رحمة منه، وعدلاً:
(( لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه )) الطبراني عن أبي الدرداء
أحبائي، أرجو الله عز وجل أن نكون قد انتفعنا من هذه الآيات والأحاديث التي تعيننا على الصبر، الحياة فيها متاعب كثيرة، فيها بلاء، فيها شدائد، ولا سيما في آخر الزمان:
((اشتقت لأحبابي، قالوا: لسنا أحبابك؟ قال : لا، أنتم أصحابي، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر، أجره كأجر سبعين، قالوا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون))
الترمذي عن أنس
إن وجود من يعينك على الخير يعطيك دفع كبير للأمام بل وأحياناً يجعلك أقوى بكثير وكم تُحبط هممنا وتموت عزائمنا عند فقد هؤلاء الأشخاص لكن عندما أتذكر أن الرسول علم بي ويعرفني ويعرف ما أعانية ويخالجني أشعر بسكينة وراحة أن هناك شخص معي وهو حيٌّ بقلبي عندما أذكر كلامه وأذاكر صفاته وشمائله أتمنى لقائه وأتوق لرؤيته فحبه وحنانه ورجمته بنا تدمع لها العين من الشوق ويطرب لها الفؤاد.
لذلك الصبر من صفات المؤمن، المؤمن صابر شاكر، في الرخاء شكور، وفي البلاء صبور، هذه حالة مهمة جداً، لكن أنت حينما تصبر ابتغاءً لمرضاة الله يلقي الله في قلبك حلاوة لا تقل عن الذي فاتك مما لو لم تكن صابراً.
يا قوم، الله عز وجل على كل شيء قدير، قادر أن يسعدك وأنت في أصعب الحالات، وقادر وأنت في أقوى درجة في الدنيا أن تكون أشقى الناس.
جميل أن تعرف في يوم واحد أنك في أعلى درجات اليقين وأنك من الذين يصلي عليهم ربهم ويرحمهم وأنك من المهتدين وأن تعرف أن الله سيعوض لك بأحسن مما فقدتِ ومن حيث لا تعلمين . سبحان الله إن له في خلقه شؤون لا يعلمها إلاه وبما أنه القادر على إسعادنا وإفراغ السكينة علينا فنرجوا منه الإجابة بحق إسمه المجيب .
فإن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال، والجمال، للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين.
ثم إ كلُّ شيء وقعَ أرادهُ الله وكلُّ شيء أراده الله وقعَ وإرادةُ الله متعلِّقةٌ بالحكمة المطلقة :
لذلك وطن نفسك أن كلُّ شيء وقعَ أرادهُ الله، أي سمح به، ولا يليق بألوهية الإله أن يقع في ملكه ما لا يريد، كل شيء وقع أراده الله، بالمقابل: وكلُّ شيء أراده الله وقعَ، تحصيل حاصل، كل شيء وقعَ أرادهُ الله، وكلُّ شيء أراده الله وقعَ، وإرادةُ الله متعلِّقةٌ بالحكمة المطلقة، الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً، وكل شيء وقع متعلق بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، أي لا يوجد بالكون شر مطلق، هناك شر موظف للخير، أوضح مثل:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِف طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ سورة القصص: 4
الآن دقق:
﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ سورة القصص:5-6
ليس في الأرض شر مطلق، هناك شر نسبي، شر موظف للخير، لذلك اطمئنوا على التاريخ القديم والحديث، ما من طاغية على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا ويوظف الله طغيانه لخدمة دينه والمؤمنين، علم هذا من علم وجهل هذا من جهل، من دون أن يشعر، ومن دون أن يريد، وبلا أجر، وبلا ثواب، اعتقد يقيناً أن كل شيء وقع أراده الله، معنى أراده سمح به، ومعنى سمح به أي هذا شر نسبي، شر موظف للخير، لذلك كل شيء تراه عينك مما يؤلم هو علاج، أو تدريب، أو تهيئة للخير، المؤمن يعتقد يقيناً أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، من هنا ورد:
(( ما من عثرةً، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عودٍ، إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر)) أخرجه ابن عساكر عن البراء
هذه قضية أساسية في عقيدة المسلم.
كل شيء وقع من الشر الظاهر هو في الحقيقة خير مبطن، قال تعالى: ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ سورة لقمان: 20
ما هي النعم الباطنة؟ المصائب، والله أعرف شخصاً يموت و لا يفكر أن يصلي بحياته، مال وفير، ومكانة كبيرة، كافر بكل الأديان، ساق الله له شدة لم يستطع تحملها، هذه الشدة سبب إيمانه، وسبب استقامته، أعرف امرأة متفلتة تفلتاً غير معقول، ساق الله لها مرضاً فالنتيجة أنها تحجبت، الله عز وجل كل إنسان عندما يصر على معصية، يسوق له شدة، هذه الشدة تزاح عنه إذا تاب إلى الله عز وجل، فربنا حكيم، فكل شيء وقعَ أرادهُ الله، وكلُّ شيء أراده الله وقعَ، وإرادةُ الله متعلِّقةٌ بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق.

One response to “قد عيل صبري في سنيه العجاف

  1. انتماء قوي يُحرّك في القلب الإرادة والقناعة اللازمة للفعل، ما أن يتفاعل الإنسان معها تفاعلاً صحيحاً حتى ينتج الأثر…

Leave a comment