عالم جديد ممكن …

أفتح عينيك على العالم

علي أن أقر , أني لم أكن أفهم الحكمة من ذلك النهي النبوي الشريف عن إغماض العينين في الصلاة ..

عدم فهم الحكمة لا يعني قطعاً ولا بأي شكل من الأشكال , عدم الالتزام بهذا النهي والتقيد به .. لكن أُقر أني لم أكن أفهم فحواه فإغماض العينين يساعد على التركيز على التأمل وكلها مقدمات طبيعية لما نوليه أهمية كبيرة _ عن حق _  : الخشوع .. كان هناك النهي…

ويكون هناك الالتزام ..وربما عندما نتأمل في الأمر نجد تلك الحكمة..

الآن أفهم تلك الحكمة, الراسية مثل جذور جبل شامخ في الأرض , فإغماض العينين ولو بنية التأمل والخشوع يتيح لك الدخول إلى عالم افتراضي, عالم خارج واقعك المحسوس … يتيح لك فرصة الهروب من العالم المحيط بك… بكل مافيه مما يستدعي الهروب…

إغماض العينين , يمنحك ذلك ولو لدقائق .. ولو بنية التركيز والتأمل … ولو من أجل الخشوع..

لكن لا …!!!

الصلاة , أبداً ليست من أجل الهروب من العالم ليست من أجل التسلل من هذا الواقع

إنها على العكس من أجل الولوج فيه .. من أجل اقتحامه … إنها من أجل مواجهته بكل ما فيه

من أجل ذلك: لا تغمض عينيك في الصلاة بل أفتحهما على اتساعهما ..افتحهما جيداً على العالم بكل ما فيه .. ربما يكون أقل تركيز بالمعنى الذي نفهمه من التركيز لكنه سيكون أكثر تصويباً نحو الهدف أكثر تركيزاً عليه…

لن تستطيع أن تُغير العالم وما فيه؟؟؟ إذا كنت تغمض عينيك .. وتقضي الوقت في تأمل عالم آخر ..

افتحها إذاً

على وسعهما على أقصى ما في وسعك من وسعهما وصلِّ وهما كذلك

إنما خُلقت العينان من أجل ذلك…!!

الآن أفهم هذا كُله , بَعد " الفاتحة"

الفاتحة لم تعد مجرد فاتحة الكتاب …. لم تعد مجرد سورة ابتدأ بها القرآن نسميها فاتحة الكتاب بل صارت تحوي في داخلها على إمكانيات كامنة " للفتح"

ستكون الفاتحة إذا سمحت لها طبعاً "إذا سمحت لها "بالقيام بدورها فاتحة لعينين ستفتح عينيك كما لم يفتحهما شيء من قبل  ستكون لك رؤيتك للعالم من حولك , لن تزيفه وتزوقه وتقدمه بلون وردي ساذج ولكنها لن تسوده وتبالغ في عتمته لتحبطك ..

والأهم من ذلك  أنها لن تجعلك تهرب منه لن تجعلك تشيح بوجهك عنه نحو عالم افتراضي في خيالك

لا

إنما ستفتح عينيك عليه وستضعك أمامه كما هو…

وستكون الفاتحة أيضاً فاتحة لعينيك على ذاتك على دورك في هذا العالم على " توصيفك الوظيفي" الذي جئت على أساسه إلى هنا .. إنك لم تأت من العدم ولم تأت من أجل العدم لم تُخلق عبثاً ولست وليد المصادفة ولست سليل القرود أو التطور.. لقد خُلقت بهدف ومن أجل هدف …

ستفتح الفاتحة عينيك على الجدل بين ذاتك كما هيَّ تلك التي شكلها العالم من حولك وذاتك كما يجب أن تكون .. التي يجب أن تُعيد تشكيل العالم كما يجب أن يكون…

ستفتح عينيك على جدل الذات والعالم وما يجب أن تكون وما هو كائن فعلاً

ستفتح عينيك على عالم آخر ليس خيالاً وإن كان لم يتحقق بعد ليس افتراضياً وإن كان الطريق إليه لم يُعبد بعد ليس مستحيلاً لكن الوصول إليه بالتأكيد صعب…

إنه عالم أكثر عدالة وتوازناً أكثر تماسكاً وانسجاماً أكثر خصوبة وأصدق نماءً … إنه العالم الذي يبنيه الإنسان حقاًَ ليكون حاضنة للإنسان حقاً

إنه عالم جديد فعلاً لكنه ليس حلماً من أحلام الحالمين ولا وهماً من أوهام الواهمين …

إنه عالم جديد " ممكن" وهو ممكن بالذات لأنك يمكن أن تبنيه أن تساهم في صنعه وتشييده وأنت بما تملكه من كتاب أحق من غيرك بالمناداة به …

إنه ممكن بك لو آمنت بنفسك وبدورك لو آمنت أن دورك في هذا العالم هو أبعد ما يكون عن تلك القصة الصغيرة التي زججت بنفسك فيها بل هو جزء من قصة كبيرة هي محور الخلق كله….

إنه عالم جديد " ممكن" ..لكنه مشروط بقبولك لدورك في الحياة…

لحظة

فمع أنها شديدة الهدوء إلا أنها أيضاً وضمناً "تفتح" النار على العالم القديم وأركانه ومؤسساته … إنها عندما تمدك برؤية الصواب , تجعلك ترى ربما للمرة الأولى كم هو مزيف وهشّ ذلك العالم الآخر مع ناطحات سحابه وهيمنته وبهرجته ولمعانه … ومادامت أسسه غير راسخة مادامت أركانه مجوفة…

تفتح الفاتحة النار على ذلك العالم ومفاهيمه مع أن طريقه سيبدو مأموناً أكثر ومأهولاً أكثر ومع أن كل إشارات الطريق ستدل عليه…

لكن الفاتحة تجعلك تنظر إلى الهاوية التي تلي القمة إلى الدرك بعد الصعود

الفاتحة لا تكتفي بفتح النار على العالم القديم , بل هيَّ تمهد " للفتح" تمهد لكي تشارك بافتتاح العالم الجديد…

لابد من الكتاب

ولا بد من آلية تعامل صحيحة معه

لهذا كُله إنها " الفاتحة"

فاتحة الكتاب لأن كل الكتاب سنفهمه بشكل مختلف أكثر فاعلية لو فهمناه من خلالها

فاتحة العينين لأنها ستمنحك الرؤية لما يجب أن تراه رؤية تنأى عن التفاصيل لصالح المشهر كله فإذا بك إنسان آخر

وإذا بالعالم عالمٌ آخر وإذا بالعالم الذي عليك بناؤه عالم جديد ممكن

وهي فاتحة للحياة وليس للموت علينا أن نكتبها في أثناء رحلة حياتنا أن نمارسها أثناء ذلك لا أن نختتم رحلة حياتنا بها ويقرأها الآخرون علينا وتكتب على شواهد قبورنا

إنها فاتحة للحياة : تمنح الحياة للقلب _ الجوهر_ وتتفتح الروح بها , وتستمد منها القوة والعزم ويسير فيها وعبرها النسغ الصاعد اللازم للبناء …

بناء ذلك العالم….

عالم جديد ممكن …

صبراً أخي

صبراً أخيَّ إذا ألـم بـلاء فالصـابرون على الهــدى أمنـاء
صبراً أخيَّ على قضاء نازل فهو امتحان ليس عنه غناء
إن الشـدائد يا أخي محن لنـا فيبين منـا الجلد والضعفــاء
ولقد عهدتك يا أخانا مؤمنــاً والمؤمنون لهم سنـا وسنـاء
أولســـت تملك يا أخيَّ عقيــدة من نورهــا تتبدد الظلماء
أولسـت تقبس من شعـاع محمد فمحمد شمس لنا وضـاء